بصمة فرعون*

[center][font:7ebc=Arial]بصمة فرعون*


ندية ياسين، 24-05-2007



لن ندرك جيدا علة انحطاطنا الحالي إلا بالرجوع إلى جذور تاريخنا, ولن نتمكن من تحديد موقعنا إلا إذا اعترفنا بأن فرعون طبع تاريخنا ببصمة ملعونة مافتئت تنخر نظامنا بأكمله. فعندما كان الحكم في خدمة الرسالة كنا نتقدم بخطوات واسعة نحو الأمام، ولكن عندما انقلب الأمر واستغل المستبدون الرسالة لمآربهم الشخصية بدأت الانحرافات.

لقد كانت بذور انحرافنا كثيرة أيام معاوية, لكنها تجذرت وأنبتت وآتت أكلها حين سكنت قصور هارون الرشيد الذهبية، وأبهاء حريمه المكتنز. ومع الأسف، لا نجد أي إشارة لهذه الانحرافات في الكتب الرسمية لتاريخ كتبته في سرايا القصور أقلام متخمة بالدينار، وفي أحسن الأحوال مرعوبة من السلطان، مخلصة بطبعها لأطروحاته.

ورغم أننا لانتفق مع كل أفكار عبد الله العروي إلا أننا نعترف بأنه أحاط جيدا بدور الوقائعي، إذ لاوجود للمؤرخ في تراثنا الثقافي، على الأقل قبل ابن خلدون: "كان دائما موقف الوقائعي من الأحداث متشابها، فانطلاقا من الوقائع والأخبار كان يقوم بتركيب شبه آلي للوصول -حسب رغبة الأمير المحتضن- إما إلى تاريخ سلالي، وإما إلى سيرة ذاتية، أو إلى تاريخ جيل من الأجيال أو شعب من الشعوب أو رقعة ثقافية، وإما إلى تاريخ محلي أو قبلي أو عائلي، وإما أخيرا إلى فهرس جغرافي. وبذلك يكون قد نجح بامتياز في تطبيق طريقة القص والإلصاق".(1)

فحينما نطلع على سجلات الوقائعيين الكبار مثل الطبري، نحس بالضيق أمام تلاحق كل هذه الأحداث التي لايربط بينها أي رابط أو حبكة تاريخية، وندرك أننا ورثنا ركاما من الحكايات المعقمة التي تُعْرَض رغم تفاوت أهميتها بطريقة تسوي بينها. فنعرف مثلا أن سُكَيْنة بنت الحسين كانت ذات شعر جميل، وأن أباها قطعت رأسه، دون تمييز أسلوبي بين الخبرين. ونتيجة لذلك، يصبح التاريخ مسطحا لاتضاريس له، وتكون الفترات التاريخية التي تعرض مجرد وحدات هلامية يمكن استبدال بعضها ببعض دون أي حرج، كما يعبر عن ذلك العروي: "في هوامش العديد من الدراسات المستفيضة، يتجاور البلاذري وياقوت وابن خلكان وابن حجر والسيوطي... إلخ. مهما كان مستوى الصياغة والتركيب فيه مجرد ركام من النوادر والحكايات".(2)

كل هذه المعطيات المتجلية في الخوف والطمع والتشتت الذي كان يعيشه الوقائعيون تجعل إدراكنا لتاريخنا مفتقرا إلى التحليل المنهاجي الذي يمنحنا معنى يفجر فينا الحاجة الملحة إلى الارتقاء من جديد؛ فأفضل وسيلة لصعود القمة هي التعرف على المنحدرات.

لابد إذن من إعادة تحديد المواقع انطلاقا من رؤية منهاجية تجعل الحكم محور التاريخ، حتى نتمكن من فهم آلامنا الماضية والحاضرة ونستوعب جيدا ماقاله الرسول صلى الله عليه وسلم: "لَتُنقضَن عرى الإسلام عروة عروة، كلما انتقضت عروة تشبث الناس بالتي تليها، أولها الحكم وآخرها الصلاة".(3)

هذا الحديث يوضح دور الحكم في تغليق النظام الإسلامي باعتباره نقطة الالتقاء الأساسية التي يقود تشويهها أو الاحتيال عليها إلى تمزق عميق على جميع الأصعدة الحيوية للمجتمع، إذ أن "مثل المؤمنين في توادهم وتراحُمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تَدَاعَى له سائر الجسد بالسهر والحمى"(4) كما يصف النبي صلى الله عليه وسلم.

هذا التضامن المقدس هو إحدى نقط الترابط الأخيرة التي نخرها الحكم الفاسد بفعل تداعياته. فقد تمكن نسق الظلم الذي ولدته الأنظمة المستبدة من تمزيق جسد الأمة، وانضاف فقرنا الروحي الناتج عن ابتعادنا التدريجي عن تعاليم الإسلام الداعية إلى محبة الإنسان وخدمته إلى فقرنا المادي ليعطلا عجلة الحياة الجماعية الحميمية. أما نُخَبُنا الحاكمة فتزيد الطين بلة بفردانيتها المَرَضية وممارستها لسياسة "وبعدي الطوفان".

لقد أصبح من اللازم علينا عاجلا أن نراجع ونفهم ونتحرك إذا أردنا أن لايختفي الجسد -بعد أن تمزقت الثياب- ويذوب في محلول الإعراض عن الله، والعبثية، والتقليد الأعمى، أو المحْرقَة الجماعية لا قدر الله.

---------------------------------------------------------------------------------------------

*مقتطف من كتاب "اركب معنا"
(1) و(2) الإسلام والتاريخ، ألبان ميشيل، 1999، ص 42.
(3) الإمامان أحمد والطبراني رحمهما الله.
(4) متفق عليه.[/font][/center]

[center][b]مشكووووووور اخي على المشاركة القيمة[/b]
[b]ومبروم عليك هيئة الاشراف في هدا المنتدى[/b]
[b]وانشاء الله الاشراف في منتديات اخرى وشكرا هيئة الادارة[/b][/center]